سوسيولوجيا التنظيمات

مدخل عام:
 لم تعد السوسيولوجيا ذاك التخصص المعرفي الذي يتخذ من فتات القضايا الكلاسيكية  الجامدة التي لا يطالها التجديد والتغيير والتحول، شانها في ذلك شان بعض الحقول المعرفية الاخرى التي ظلت تشتغل على قضايا ومواضيع تعيد انتاج افكارها وتصوراتها فقط دون محاولة بعثها او تجديدها ، ان تكون موضوع اشتغاله واهتمامه، بل سعى للبحث عن مجالات اخرى للاشتغال. فالسوسيولوجيا تجاوزت القضايا الكلاسيكية واقتحمت مجالات اخرى وقضايا مهمة والتي كانت بالمس القريب حكرا على علوم وتخصصات بعينها. 

ولعل سوسيولوجيا التنظيمات تعبير جلي هن هذ التحول العميق في الطرح والدراسة والتحليل، والذي اقتحمت من خلالها عالم الادارة والتدبير والتسيير ودواليب التنظيمات والمؤسسات والمقاولات... وبالتالي لم التقاء السوسيولوجيا بالتنظيم امراً بديهيا وميسراً، بل كان التقاءاً اشكالياً اسفر عن بناء نماذج تحليلية جديدة، ومراجعة ابستمولوجية عميقة للاسس التي نهضت عليها السوسيولوجيا الكلاسيكية.

وسنتناول في موضوع عرضنا هذا اهم المراحل التي قطعتها سوسيولوجيا التنظيمات في مسار نشاتها وتطورها، في اتجاه بنلء فرع تخصصي علمي ومستقل ، ومبني على اسس وقواعد رصينة ومتينة، جعلته احدى التخصصات العلمية المهمة والبالغة الاهمية في عالم التنظيم والادارات، ومرجعا فكريا واشكالياً. كما سنحاول وضع كل مساهمة في سياقها الزمني، واهم ما استحضرته التيارات والاتجاهات المؤسسة  لسوسيولوجيا التنظيمات، وذلك بربطها بمسالة التخطيط، التي اضحت قاعدة ومعياراص اساسياً في تقييم مدى نجاح او فشل التنظيمات المختلفة والمتعددة.

المحور الاول : سوسيولوجيا التنظيمات النشاة والتطور 
1.     الجهاز المفاهيمي لسوسيولوجيا التنظيمات
تذكر معظم المراجع ان نشاة سوسيولوجيا التنظيمات قد ارتبطت ارتباطا وثيقا بعلم الاجتماع الصناعي. ففي سنة 1944 استكمل " التون مايو E.Mayo" وزملاؤه  دراستهم التي قاموا بإجرائها في عدة تنظيمات صناعية. وهي : مصنع النسيج، ومصانع الطائرات في جنوب كاليفورنيا، ومصنع المعادن(.. .). وبعد استكمال هذه الدراسات السالفة الذكر، بدا العلماء بتطبيق نتائج دراستهم داخل تنظيمات العمل المختلفة.  واتسعت هذه الدراسات والبحوث لتشمل المحلات التجارية والمستشفيات. وقد ترتب على تراكم قدر كبير من المعلومات عن التنظيمات المختلفة ظهور علم اجتماع التنظيم على الاساس الذي سبق ان وضعه علم الاجتماع الصناعي.
ولعل اتساع نطاق النمو وتكاثر التنظيمات والمؤسسات في العصر الحديث.حتى اصبح العلماء يطلقون على هذا العصر بعصر التنظيمات. مما جعل " روبرت بريتيوس R . Prssthus" يطلق على المجتمع الحديث اسم المجتمع التنظيمي.
وقد تزايد اهتمام علماء الاجتماع بدراسة التنظيم بعد ان اصبح للتنظيم دور واضح في الحياة الاجتماعية. وبعد ان اصبحت التنظيمات تحيط بالانسان مند مولده حتى انتهاء حياته، وفي هذا الصدد يذكر "بريتيوس" ان الانسان اصبح يعيش حاليا داخل اكبر تنظيم وهو الدولة، فمعظم اوقاتنا نقضيها داخل تنظيم او تنظيمات معينة. في العمل، في اللعب في السياسة وفي الفن، في الجامعة او المدرسة، في المسرح او دور الشباب .
1.1            فكرة التنظيم:
ان فكرة التنظيم  هذه تدل على معنيين، فهي من جهة تحدد المجموعات العملية قبل المعامل والنقابات والبنوك والتجمعات المختلفة، اي التجمعات التي تلاحق اهدافا معينة. كانتاج السلع وتوزيعها وتوجيه البشر في اوقات الراحة. ومن جهة ثانية، تحدد فكرة التنظيم في المعنى الاخر  بعض المواقف الاجتماعية وتطوراتها: مثل عملية تنظيم هذه النشاطات المختلفة، وتنسيق الاثاث والمعدات للوصول الى تحقيق الغايات الجماعية( انتاج، تثقيف،توزيع)، واخيرا العمل على دمج مختلف الاعضاء في وحدة متلاحمة، وهكذا، فانه في المعنى نفسه نجد ان  عالم الاجتماع يدرس في بعض االحيان وحدات اجتماعية قائمة، واحياينا يقوم بسبر مواقف اجتماعية تتجه نحو غاياتها، وتعرف من خلال بعض الاحتياجات: ان المنظمة تظهر في هذه الحالة كوسيلة او كنظام وسائل، ولو تابعنا وصف التصرفات الجماعية  في نظرية عامة للسلوك الاجتماعية، فاننا نستطيع ان ندرس الوسائل الفاعلة من خلال اسبابها وغاياتها التي نريد لها ان تنتظر1.
ان المصادر والمؤلفات التي اشارت او درست سوسيولوجيا التنظيمات تتحدث عادة عن تطور التحليلل التنظيمي عبر مراحل ثلاث اساسية:
 المرحلة الاولى : المرحلة الكلاسيكية  وهي لحظة التاسيس، والتي يمثلها " هنري فايول" مؤسس علم الادارةLe management ، و تايلور F.W. Taylor ونظريته حول تنظيم العمل . وهي التي تؤسس لنظرية " المنظمة الشكلية".
المرحلة الثانية: وهي التي يطلق عليها عادة ب" تيار العلاقات الانسانية" جاءت هذه الاخيرة لرفض المرحلة الاولى وانتقادها واعطاء بعد  واهمية اكبر للانسان.
ثم المرحلة الثالثة : وهي المرحلة التي سوف يطغى التحليل النفسي الاجتماعي مع هلماء النفس الاجتماعي.
2.1            مفهوم التنظيم :
تختلف مسميات التنظيم، لكن جوهرها واحد لا يتغير، فقد يستخدم البعض مصطلح ( البيروقراطيةBuraucratique ) كما هو مشاع في بعض الاوساط الاكاديمية الامريكية استلهاما وتاثرا ب "ماكس قيبر "  ، وذلك للاشارة الى المعنى الذي يقصد بمصطلح ( التنظيم)، وقد يميل البعض الاخر الى استخدام مصطلحات مثل ( المؤسسة Institution) او ( المنظمة Organisation)، ولكنها تشير ايضا  الى المعنى الذي يتضمنه مصطلحا ( التنظيم) و ( البروقراطية).
وقد تشير هذه المصطلحات والمسميات على كثرتها التي تستخدم للتعبير عن مفهوم التنظيم، الى غلبة الطابع التنظيمي الذي يعد السمة الاساسية والبارزة والتي تميز العصر الحديث، حيث يعتبر عصر التنظيمات بامتياز لانتشار المنظمات والتنظيمات والمؤسسات بانواعها واشكالها، اذ اضحى الانسان يقضي جل وقته في هذه التنظيمات يتنقل من  تنظيم لاخر على مدار الوقت. فقد تجده في الجامعة او المدرسةـ وتجده في الحزب او الجمعية او النقابة، وتجده ضمن فريق رياضي او موسيقي .... وهكذا يقضي ا انسان حيزا زمنيا من وقته في الانتقال والتنقل من تنظيم لاخر.
3.1            تعريف التنظيم :
أ‌.       تعريف جورج لا باسادGeorges Lapassade :
 يعرف التنظيم باعتباره " هو سلوك اجتماعي موجه لتحقيق اهداف محددة"2 .
ب‌.  تعريف  "تالكوت بارسونز  T . Parsonse":
فيعرف التنظيم بكونه" هو وحدة او وحدات اجتماعية يتم انشاءها بشكل مقصود  ووفقا لبناء نموذجي معين، من اجل بلوغ غايات معينة"3. وقد انطلق "بارسونز" من تصور التنظيم بوصفه نسقا اجتماعيا يتالف من انساق فرعية مختلفة، كالجماعات والاقسام والادارات. وان هذا التنظيم يعد بدوره نسقا فرعيا يدخل في اطار نسق اجتماعي اكبر وا شمل كالمجتمع. على ان " بارسونز" لا يذهب الى حد المطابقة بين التنظيم والمجتمع، فلقد اوضح ان التنظيمات تتميز بانها وحدات اجتماعية لديها اهداف وغايات محددة تسعى لتحقيقها.
ت‌.  تعريف "فرنسوا بوريكو":
يعرف "فرنسوا بوريكو" التنظيم بكونه " شكل اجتماعي يقوم على تطبيق قواعد ما، ويخضع لقيادة ما، ويضمن التعاون بين الافراد لاجل انجاز عمل مشترك، تحدد كيفية تنفيذه وتوزيع نتائجه4.
من خلال التعريفات السابقة يمكن تميز التنظيم باعتباره شكل من اشكال التعاون والعمل المشترك ، وانه يتضمن سلطة قائمة بين عناصر التنظيم، تتوزع من خلالها الادوار والمهام والوظائف بعيدا عن اي تداخل وخلط بينها، تكون غايتها الاسمى تحقيق هدف مشترك.

2.     مراحل تطور سوسيولوجيا التنظيمات
اولا، المرحلة الكلاسيكية :
شكلت النظريات الكلاسيكية الارضية الاولى التي قامت على اساسها امكانية لمقاربة عملية التنظيم، فقيمة النظريات الكلاسيكية في  طابعها  التأسيسي، وقدرتها على غزو ميدان جديد. ولعل هذه النظريات لم تنل حظها من الذكر إلا من خلال المشاكل التي تثيرها التنظيمات الحديثة، حيث بدت، بالمقارنة مع القدرة الكشفية للنظريات اللاحقة عليها، كما لو كانت تحتل الدرجة الصفر في سلم التحليل السوسيولوجي5[6].
1.     الرواد المؤسسين لسوسيولوجيا  التنظيمات
أ‌.       هنري فايول وعلم الادارة «  Le management »
في كتابه " الادارة الصناعية والعامة "  قام  هنري فايول بتشييد علم الادارة  Le management  والذي تناول فيه اهمية الادارة في تسيير الاعمال في جميع مجالاتها، الصناعية والتجارية والسياسية والدينية. وضم الكتاب  قسمين تناول في الاول اهمية  وإمكانية تعليم الشأن التنظيمي( الاداري)، وفي قسمه الثاني تناول " مبادئ وعناصر التنظيم".
كما ينظر فايول الى التنظيم من منظار الوظيفة او بنية الوظائف، وذلك باختزاله للاعمال والانشطة داخل المقاولة لست وظائف اساسية ( تقنية، تجارية،مالية، امنية، وظيفية محاسباتية، واخيرا وظيفة ادارية والمتمثلة في التخطيط والتنظيم والقيادة، والتنسيق والمراقبة.)، وتتوقف هذه الوظائف على مجموعة من القدرات والملكات والمعارف، يوجزها ( جمال الفزة،2013،112) فيما يلي: (  ملكات جسدية، ملكات معرفية، ملكات اخلاقية، ثقافة عامة، معارف خاصة، التجربة.)6.
 وفي هذا الاطار يميز "فايول" في القدرات والملكات بين صنفين اساسيين، صنف متعلق بالقدرات المهنية، والتي تضل حكرا على المستخدمين والمتقنيين، والمرؤسيين عموما. والملكات او االقدرات المتعلقة بالتدبير والتسير، والتي تبقى من اختصاص المدراء والمستشارين والرؤساء.
ولانجاز هذه المهام والوظائف بشكل جيد يشترط " فايول" توفر اربعة عشر مبدا اساسيا للادارة. نذكر من بينها : ( تقسيم العمل، السلطة و المسؤولية، الانضباط، الاداء، المركزية، المبادرة، والمصلحة العامة فوق كل اعتبار...).
لذلك نجد ان "فايول" ركز في تاسيسه لعلم الادارة على اهمية وضرورة تحقيق الادراك والتكوين في مجال الادارة والتسيير، كما يركز على اهمية الاحترام والاخلاق وتوزيع  الوظائف والمهام داخل الادارة.
ب‌.  "فريديريك تايلور   F.W.Taylor  (1856-1915)"  ومفهوم التنظيم العلمي للعمل
 يعتبر " فريديريك تايلور " رائدا في مجال التنظيمات ، كونه اول من وضع نظرية في التنظيمات  تركزت  حول" الادارة العلمية للعمل " و تتمحور مساهمته "  في دراسة وتحليل شرود و تقاعس العمال في العمل، ومهاجمته لكل اشكال التيه والشرود والتسكع،وكذا التجمعات داخل الوحدات الصناعية بين العمال. واعتبر التجزيء، واعتماد اليات مراقبة المهام والوظائف، عوامل  تساهم في كشف وتحليل ودراسة التنظيمات. كما اعتبر التقاعس والخمول  هو الشر الاكبر الذي ينبغي التصدي  له بضراوة، لانه اصل ضعف الفعالية7.
فكل اعمال "تايلور" عبرت عن انشغاله الاساسي وهو القضاء عللا التقاعس المقصود، وتهاون العمال. فالتفكير الذي يقود العمال الى التقاعس المنظم حسب " تايلور" جد بسيط، فسواء كان نظام الاداء حسب يوم العمل، او حسب كم الوحدات المنتجة، فان العامل لن يجني من تسريع وتيرة العمل اي فضل، بحيث يبدو واضحا في حالة الاداء حسب يوم العمل ،( ان وثيرة العمال الممتازين تنحو نحو التباطؤ التدريجي، حتى تتطابق مع وثيرة عمل اسوأ العمال واقلهم فعالية. فلسان حال عامل ممتاز يعمل الى جانب عامل متقاعس يقول: لماذا ارهق نفسي في العمل بينما نتقاضى معا نفس الاجر؟ )8.
وهنا تكمن اهمية  انشغال "تايلور" حول التقاعس، باعتباره داء معدي يمكن ان ينتقل من الاشخاص المتكاسلين الى الاشخاص الاكثر مردودية وانتاجية.  وهذا  الامر يحصل ايضا على مستوى الاداء حسب الوحدات الانتاجية Unites du productions  ، ف "تايلور" يرى بانه في هذه الحالة رب العمل او المسؤول عن الوحدة الانتاجية هو المستفيد من هذه الوضعية، حيث سيستفيد من عملية تسريع الاداء ،وبالتالي سيخلق لدى العامل شعور بكونه يقوم بمجهود مضاعف لا يعادل ما يحصل عليه من مقابل مادي جراء ما يقوم به من مجهود، الشيء الذي سيدفع الى التهاون والكسل والتقاعس عن اداء مهامه كما ينبغي ، مما سينعكس ذلك على العملية الانتاجية وسيصبح حجر عثرة وفرملة امام ارتفاع المردودية الانتاجية للمصنع او الوحدة الانتاجية .
الى جانب هذا التحليل الذي قام به " تايلور" حول اشكالية التهاون والتقاعس والفرملة التي يقوم بها العمال داخل المصانع لتعطيل الانتاج والحد من المردودية الانتاجية، نجد ان " تايلور" اول من نبه الى ضرورة تبني الاسس العلمية في التدبير والتسيير، من اجل الرفع من الانتاج داخل المصانع والمعامل والتنظيمات بشكل عام. فقد  اعتبر ان ادارة التنظيم عي علم قائم الذات، وينبغي ان يُتعلم  ويُدرس في المعاهد والمدارس، عبر التكوبن والتاطير.
ت‌.  " ماكس فيبر Max Wiber " ونظرية التنظيم البيروقراطية:
يندرج النموذج المثالي للتنظيم البيروقراطي لدى فيبر في اطار محاولة اشمل لنمذجة انماط المشروعية، التي تقوم على اساسها " السلطة" في اي تنظيم اجتماعي. ف"فيبر Wiber  "  يعرف التنظيم البيروقراطي بانه ذلك التنظيم العقلاني للجهاز الاداري في المنظمة، وتاثيره على سلوك واداء العاملين. وهي عبارة عن سلطة المكتب التي تُستمد من مجموع القوانين والتعليمات التي يحتوي عليها التنظيم الرسمي القائم على مجموعة من المبادئ كتقسيم العمل، والتخصص الوظيفي، وذلك بعيد عن كل ما هو ذاتي9.
لقد تاثر  "ماكس فيبر" بقراءاته ل "هيجل" و" ماركس" وتحليله للبيروقراطية لم يكن فقط تحليلا لسير وهيكلية التنظيمات، هذه ايضا نظرية عامة في التاريخ، وللمجتمع الراسمالي الحديث. لقد اعتقد " فيبر "، مثله مثل " هيجل " ان المستقبل للبيروقراطية ، مما يعني(اطروحة) حو نهاية او (نهايات) التاريخ. وحدد "فيبر" للبيروقراطية خصائص مميزة تتجلى في خمس ركائز اساسية10:
1.     إن التظيم البيروقراطي يستدعي قواعد محددة لاختصاص الموظفين، ومراقبة عملهم.
2.   إن البيروقراطية متسلسلة، وهذه الصفة توجد في جميع الانظمة كما في الحكومة والكنيسة وجميع الاحزاب السياسية الكبرى والمشاريع الخاصة.
3.     إن البيروقراطية تعطي اهمية كبرى للوثائق المكتوبة الموجهة سواء الى الخارج او الى ستخدامها الداخي.
4.     إن عمل البيروقراطية يتشترط بشكل طبيعي خبرة عملية متقدمة.
5.     إن الموظف يمتلك كل الوقت لعمله المكتبي، وعمله يشكل بالنسبة اليه شكلا اجتماعيا.
كما يميز بين ثلاثة انماط من الهيمنة، وذلك على اساس نظام المشروعية الذي يستند اليه كل نمط، فاما ان تتخذ الشرعية طابعا عقلانيا فتكون الهيمنة قانونية ومشروعة ، واما ان تستند الى الدين والاعراف ونظام القرابة وبالتلي فهي هيمنة توصف بالتقليدية، او ان تستند الشرعية الى مواهب وقدرات وملكات خاصة يتمتع بها الشخص (الزعيم او القائد) دون غيره من الناس.
1.     مرحلة العلاقات الانسانية
تتضمن هذه المرحلة (مرحلة العلاقات ا انسانية) طفرت حقيقية في دراسات التنظيمات وفي تطور ونشاة سوسيولوجيا التنظيمات، فقد قامت على انقاض المرحلة الكلاسيكية التي ظلت نظرياتها وتصوراتها مقتصرة على الطابع الالي للعمل La machine ، لكونها لم تولي اهتماما للعامل والانسان الذي يعمل داخل التنظيمات، الى ان اتى تيار جديد ركز على الانسان والعلاقات الانسانية داخل التنظيمات.
ويتالف هذا التيار الجديد من مكونين رئيسيين: الاول يشمل العلاقات الانسانية والثاني يشمل نظرية الحلقات البيروقراطية المفرغة. واهتمت  مدرسة العلاقات الانسانية، ونظرية الحلقات المفرغة باتمام ما استهله مؤسسو ورواد المرحلة التأسيسية، " فايول" و " تايلور " فبالرغم من قصورها في العديد من التصورات والاشكالات التنظيمية، الا انها شرعت الباب على مصراعيه امام ظهور نظريات ودراسات اخرى تغني سوسيولوجيا التنظيمات وتقتات اطرها ومبادئها منها.
    لقد تجاوز تيار العلاقات ا انسانية التيارات السابقة عليه بمسافة يغلب عليها الطابع الانساني، وتجاوز مسالة الانسان الالة الذي تكبله قوانين وضوابط التنظيم والتنظيمات، فهذا التيار نظر الى البعد الانساني والشخصي في العامل، باعتباره البعد الاسمى في التعامل والتواصل ، فالجانب الوجداني والسيكولوجي يبقى بالنسبة لها هو العامل الاساسي في خلق الانسان / العامل المنتج والحافزي ،وهذا ما اغفله التيار الكلاسيكي بتجاهله للعوامل السكولوجية والوجدانية للعامل.
وقد اتخد هذا  التيار منحينين كنقطة الانطلاق . الاول استلهم دراساته وابحاته من اعمال" التون مايو" والثاني مع " ديكسون" وابحاثه داخل " شركة ويسترن الكتريك". وتعتبر هذه التجارب بمثابة الارضية التي مهدت لظهور المدرسة التفاعلية، التي سوف تعرف انتشارا واسعا خلال سنوات الثلاثينيات، بفضل النشاط الكبير الذي طبع اعمال هذه المدرسة بجامعة هارفارد11.
كل هذه الدراسات والابحاث التي انجزت سواء داخل شركة " ويسترن الكترك" او "بجامعة هارفارد" ، خلصت نتائجها الى ان الفرد/ العامل داخل المعمل او المصنع يتاثر بشكل سريع بمعايير الجماعة، وتنسلخ هويته داخلها ويصبح جزءا منها ومن نمط سلوكها .لذلك ينبغي الاهتمام بهذا المعطى، اي الفرد يتاثر بسلوك الجماعة كما يؤثر هو بدوره في سلوكها العام،وانه في امس الحاجة الى حافزية ودافع نفسي يتجاوز الحافز المادي الى حوافز وجدانية عاطفية ومعنوية باشراكه اشراكا معنويا في العملية التنظيمية واحيانا التدبيرية ولو عبر الاستشارة حتى يضن العامل/ الفرد انه جزء من الكل.
وما يعاب عن مدرسة العلاقات الانسانية افراطها في انسنة ميادين العمل ، في مقابل عجزها التم في الحفاظ عن المسافة بينها وبين ارباب العمل، ومدراء المقاولات. لكونها لم تدرج في اعمالها ما يشير الى طبيعة السلطة والتراتبية التي تنظم العمل داخل المقاولة.
2.      النسقية والفعل والتحليل الاستراتيجي عند " ميشيل كروزييه Michel Crozier :
يعد" ميشيل كروزييه Michel Crozier " من العلماء القلة الذين تخطت شهرتهم حدود فرنسا، فهو مؤسس مركز سوسيولوجيا التنظيمات بفرنسا، وعضو اكاديمية العلوم الاخلاقية والسياسية. ودرس في جامعات امريكية، وخاصة في "هارفارد" و "كاليفورنيا"،  هو مؤسس " التحليل الاستراتيجي  L’analyse Stratégiqueوالذي يشير في وقت واحد الى "مقاربة سوسيولوجية نوعية والى منهج يحلل المنظمات"12.
1.1            النسق والفعل L’acteur et le Système
ففي كتابه الذي شاركه في تاليفه " ارهارد فريدبيرك Erhard Friedberg " الفاعل والنسقL’acteur et le Système  (1977) ،قدم اساسا نظريا لهذه التحليلات الاولى. فهذا الكتاب هو المؤسس للتحليل الاستراتيجي، لقد اصبح اليوم من الكلاسيكيات في الادب السوسيولوجي، ويطرح في هذا الكتاب عدة قضايا:  الفاعل ليس مجبرا بالكامل، فهو يملك هامشا معينا من الحرية، وسلوكه ناتج عن استراتيجية عقلانية، لكن هذه العقلانية ليست خالصة، انها محدودة، الناس لا يتخدون القرارات المثالية، بل التي يرون انها مُرضية، اخدين بعين الاعتبار المعلومات والحالة ومتطلباتها( يستعيد المؤلفان نظرية عالم الاقتصاد الامريكي " هربرت سيمون" (les auteurs reprennent à leur compte la théorie de l’économiste américain Herbert A. Simon )، تندرج لعبة استراتيجيات الفاعلين في " منظومة الفعل العيانية". وهذه المنظومات لا توجد بذاتها، بل هي تشييد جماعي وعارضة، انها ثمرة للتفاعلات بين سلوكيات الافراد13.
والجدير بالذكران نظرية الانساق نظرية صوريةـ فهي تعمل على اقتراح نماذج صورية مجردة لا تكمن في مطابقتها للوقائع، وانما في ما تتيحه من امكانية لمجاوزة التحليلات الامبريقية، التي تقتصر على دراسة مونوغرافيات متناثرة، تفتقد لخيط ناظم من شانه ان يمنحها العمومية والانتظام الضروريين لكل ممارسة علمية14.
وقد انتقد "كروزييه" بشدة النظريات التي تكتفي منح اعضاء التنظيم ادوارا محددة وسلوكا عقلانيا متوقعا، واقترح بدلا من ذلك نظرية العقلانية المحددة، حيث يتمتع كل فعل بعقلانية محددة خاصة به تسمح له بتدبير استراتيجية شخصية، يحاول من خلالها ايجاد التدابير اللازمة بقضاء حوائجه وتحقيق مآربه15.
فالنسق والفعل كلاهما متداخلين ومترابطين ولا يمكن الفصل بينهما جدلياُ، لقد تجاهلت النظريات السابقة على هذه النظرية اهمية النسق والانساق الاجتمتاعية التي يندرج ضمنها سلوك الفرد، بقدر ما امعنت في اليات تدبير التنظيم وتحقيق الغاية العامة والمشتركة المتعلقة بالانتاج، في حين لا يمكن تجاهل النسق العام للانظمة الاجتماعية والاقتصادية وحتى الثقافية. فسلوكات الفرد حسب هذا التيار النسقي لا يمكن فهمه في في سياقه العام باستحضار كل العوامل المتداخلة والمترابطة في اصدار السلوك. 
2.1            التحليل ا استراتيجي L’analyse Stratégique
كمنهج للتدخل بالنسبة ل " كروزييه " يجب تحليل سير عمل المنظمات على اساس هذه المسلمات، التحليل الاستراتيجي يدرس اذن علاقات السلطة وتاثيراث استراتيجيات الفاعلين في المنظمة. انه يسعى ليوضح المنطق التحتي للمنظومات العارضة المتولدة من هذا الاعتمادالمتبادل . لقد اصبح منهجا للتشخيص التنظيمي ولدعم التغيير مالوفا ومستخدما بشكل متزايد من قبل السوسيولوجيين، وكذلك موضفي الادارة16.
يهتم التحليل الاستراتيجي بفهم كيفية بناء الافعال الجماعية انطلاقا من السلوكات الفردية والتنسيق في العمل الذي يفترض جملة من الافعال الفردية، ويكون التحليل استراتيجيا عندما يعاين سلوك الفاعلين المتعلق بالاهداف الواضحة والواعية التي يضعونها، وضغوط المحيط والموارد المتاحة لهم،  يبتعد التحليل الاستراتيجي عن موازنة النقائص الموجودة في التسيير والإدارة ليركز على توضيح الاختيارات الاساسية للادارة العامة، وتفادي الاخطاء التي قد تهدد حياة المؤسسة17.
كما ينطلق التحليل الاستراتيجي من مسلمات بديهية مردها ان الفرد في حالة العمل لا يمكن تحديد سلوكه كلية ولا ان نتحكم فيه، او ان نتنبا به، ونظرا لهذا التعقيد والتشابك الواقع في مجال تدبير المؤسسة، فان الملجا من ذلك هو المسلمات الاساسية التي تعبر عن الركائز القاعدية للتحليل الاستراتيجي . والتي نوجزها في ما يلي:
_ اختيار الاهداف
_  الحرية النسبة للفاعلين
_ العقلانية المحدودة
البناء
3.1  أساسيات التحليل الاستراتيجي :
إن التحليل الاستراتيجي ليس عملية سهلة بل عملية متشابكة ومترابطة بين عدة مدخلات  ومخرجات . والفاعلون بما لديهم من ثقافات وخبرات حول وضعيات العمل فإنهم دوما ينتجون أفعالا بها يستطيعون تحريك الأمور.
إذا فالتحليل الاستراتيجي يسمح بإيجاد نظرة دقيقة وحقيقية لما يجري في مواقع العمل .وهو يعتبر منهج بحث فريد من نوعه ، ذلك لأنه تضمن صورة مغايرة عن التنظيم ومخالفا بذلك النظريات الكلاسيكية،فالتنظيم هو ذلك المجال الذي فيه يستغل الأفراد ويستفيدون من هوامش حرياتهم وهو محصلة أو نتيجة لألعابهم.فمسلمات هذا المنظور هي:
التنظيم هو بناء أو تشكل اجتماعي ينتج من أفعال الأفراد.
هناك دوما مجالا للعب أو المناورة بين المشاركين في التنظيم .وهذا المجال من الحرية هو الذي يحدد الفاعلين.
4.1 مفاهيم التحليل الاستراتيجي :
يعتمد هذا التحليل على مجموعة من المفاهيم المترابطة فيما بينها والتي تشكل في النهاية مفهوم علاقاتالسلطة:
أ‌.        الرهانات: Enjeux 
وهي تلك الأهداف أو القضايا التي من أجلها يقوم الفاعل ببناء إستراتجيته اتجاه الآخرين،(في أي علاقةبين الأفراد أو بين المؤسسات الرهان الأقصى هو الحصول على السلطة). وهي تتميز بالتغير والتحول، ذلك لأنه دوما يكون الفاعل إما في حالة ربح أو في حالة خسارة.وهنا تدخل مدى نجاح العقلانية في اختيار الوقت والهدف والإستراتيجية المناسبة.
ب‌.    الفاعل L’acteur :
إن الفعل هو الذي يحدد الفاعل ، والفاعل يكون إما فردا أو مجموعة .وقد استفاد كروزيه في تحليله الاجتماعي من ما جاءت به نظرية الفعل الاجتماعي. فالفاعل هو ذلك الفرد الذي له القدرة على التدخل والمشاركة في مشكلة ما . أي أنه مرتبط أو معني بها انطلاقا من رهانات يكتشفها و يتبناها .وذلك لأن أي فاعل عنده شكل ما من أشكال النفوذ أوالتأثير يستطيع به تحريك أو استعمال موارد ضائعة في التنظيم. وعلى كل فإنه إذا كانت القضية أو الرهان ضعيف عند الفاعل ، فإن الفاعل لا يكون له تحرك كبير ولا أهداف كبيرة .أو أن الأهداف غير مهمة عنده، و بالعكس إذا كانت الرهانات مهمة أو جماعية يكون الفاعل حينئذ يعمل لصالح الجماعة .يتضح مما سبق أن الفاعل هو قبل كل شيء اجتماعي يتمتع بهامش من الحرية قد يكون فردا أوجماعة، له هدف و يفترض أن يكون له رصيد أو أرصدة.
ت‌.    الأرصدة: Les atouts
هي المزايا التي يستعملها الفاعل من أجل الوصول إلى أهدافهالملكية، المال، التعليم، الاتصالات.الشخصية الكاريزمية ، الموهبة، امتلاك بعض الأشياء مثل المفاتيح والرموز... كلها عبارة عن أرصدة . و فيبعض الحالات القوة الفيزيقية تعتبر كرصيد، مثل الشباب، الصحة، فالأرصدة المتبعة من طرف الفاعلينتتغير حسب الحالات.
ث‌.    السلطة Le Pouvoir :
يعتبر مفهوم السلطة مفهوم حساس ومتفرع . حيث اختلفت فيه آراء المنظرين والمفكرين باختلاف توجهاتهم . وأهم من تحدث عن السلطة هم علماء الاجتماع لارتباط هذا المفهوم بالحكم والسياسة .
يقدم كروزيه مفهوما جديدا في عملية إستراتيجية الفعل ، ضمن ما يعرف بـ " منطقة الارتياب أو اللايقين".
ج‌.    منطقة الارتياب (عدم اليقين)  La zone d’incertitude:
في كل تنظيم يمكن أن تتواجد ثغرات (فجوات تنظيمية) أو معارف مفقودة لم ينتبه لها التنظيم الرسمي . مثال:لا يوجد مدة محددة لفترة صيانة الأعطال في الآلات أو تحديد وقتها.أو لا يحدد التنظيم حجمالرقابة التي يفرضها على العمال من طرف رئيس الورشة .إذا فإن مثل هذه الأمور الغامضة أو المبهمة إن جاز التعبير، هي ما يسميه كروزيه بمنطقة اللايقين أو الارتياب. والفاعل الاستراتيجي هو الذي يحاول الاستحواذ عليها أو التحكم فيها ، ليمارس نوعا من الضغوط أو النفوذ أو السلطة على الآخرين .فهي مورد هام يتخذه الفاعل ليمارس فيه التحرك ضمن هامش الحرية .فالفاعل الذي يتحكم في هذه المنطقة يتمتع بالاستقلالية والقدرة على إخفاء لعبته.
لذلك فإن الكل يرتكز على منطقة اللايقين المراقبة من طرف الفاعلين ، فمن يتحكم فيها بقوة مقابلالآخرين، إذ يجعلها غير مرتقبة لديهم. بواسطة كفاءاتهم أو معلوماتهم ، أو معرفتهم للقواعد الداخلية أوللمحيط. كل واحد من الفاعلين يستغل منطقة لا يقين من أجل ضمان استقلاليته والوصول إلى رهاناته،فعلى الباحث الملاحظ الذي يستعمل التحليل الإستراتيجي أولا تحديد الفاعلين و فهم رهاناتهم وما هيالسلطة التي يمتلكونها للوصول إلى هذه الرهانات والأهداف و كشف ما هي منطقة اللايقين التي يرتكزونعليها.
§       علاقة السلطة بمنطقة الارتياب:
كما أوضحنا من قبل فإن الفاعل الذي يتحكم في منطقة الارتياب هو الذي يتمتع بالسلطة وحرية التحرك ." كلما تحكم الفاعل في منطقة الارتياب جيدا كلما كان لديه سلطة أكبر."مثال عامل الصيانة فهو يمارس سلطة على رئيس ورشة الإنتاج وعلى عمال الإنتاج ،لأنه يتحكم في فترة وقت الصيانة ومدتها أي باستطاعته التلاعب بأعصاب العمال و رئيس الورشة، فكلما كان عمال وحدة الإنتاج متسرعين لتصليح آلاتهم لرفع الإنتاج والحصول على المردودية كلما كان لعامل الصيانة سلطة عليهم .أي أن حاجة العمال لصيانة آلاتهم هي مصدر قوة لعامل الصيانة .فهم يخضعون له في علاقة تفاوضية لربح المردوديةوهذا هو الذي يمكن أن نسميه بالفعل الاستراتيجي لكل لاعب . فما هي الإستراتيجية ؟
د‌.      نسق الفعل الملموس (الفعلي)  :Le système d’action concret
هو محصلة مختلف الاستراتيجيات التي يمارسها الفاعلون .وهو ليس بالضرورة خاضع للرسمية و التنظيم الرسمي ، إنما هي تلك الألعاب المنظمة والمرتبة بين الفاعلين في علاقاتهم التبادلية تظهر فيها المصلحة والتنافر والصراع .... فكل فاعل من هؤلاء يقوم برسم علاقات تفضيلية تساهم كلها نحو تحقيق أهداف محددة بواسطة ضبط جماعي Régulation de système.

المحور الثاني: مفهوم التخطيط انواعه ومعيقاته
اضحى التخطيط الية مصاحبة لتطوير واحداث التغيير والتحول داخل التنظيمات ، بتعدد انواعها واشكالها، اذ يظهر التخطيط في عالم اليوم  كالية من اليات صنع واتخاذ القرار في اتجاه التحول. فهو يساهم في هذا التحول الذي هو في نفس الان شرط من شروط وجوده. فمن غير الممكن فهم معنى ونطاق التخطيط دون تحليل الاتجاهات  الرئيسية التي تحكم تطور واليات صنع القرار، والتي تتجسد في العناصر الثلاث التالية18:
_ الصورة العقلانية التي يتخذها اعضاء المجتمع.
_ اشكال وانماط التفاوض وعلاقات القوة التي يخضعون لها.
_ اهمية التي تتجسد عبر  عمليات التفاعل.
1.    مفهوم التخطيط:
هو الجهد المُنظم لصناعة القرارات المصيرية، والذي يصنع هوية التنظيم ويبرر وجوده. وهو مجموعة من المبادئ والخطوات والادوات التي صممت لتساعد القادة والرؤساء والمدراء والمخططين، كي يفكرو ويتصرفوا بشكل استراتيجي19. وهو الذي يساعد التنظيم على صنع قرارات فعالة تؤدي الى تحقيق رسالته وارضاء احتياجات اعضائه. في ظل ما يحيط به من فرص وتهديدات البيئة الخارجية، ونقاط قوة وضعف في بيئته الداخلية. فالتخطيط اذن هو :
هو عملية يقوم من خلالها التنظيم بدراسة الافتراضات والاحتمالات المحيطة به، والتي تؤثر على تحقيق اهدافه. هذا بالاضافة  الى ضرورة التاكد من وضوح النتائج التي يسعى التنظيم لتحقيقه، وكيفية توظيف موارده وامكاناته من اجل احداث التغيير المقصود.
وهو ايضا خلق واقع جديد يتجاوب مع تحديات المستقبل المتوقعة، والتي يعبر عنها في صورة قيم او افكار ليس فقط للتنظيم او اعضائه، ولكن تعكس ايضا البيئة المحيطة التي تتواجد فيها المنظمة.
اذن هناك حاجة ماسة الى التخطيط لضمان فعالية اكبر في التدبير السياسي والاداري ، كما يساهم في تحقيق التنمية المرجوة.
ان التخطيط يلعب دورا هاما جدا في المؤسسة. وليس من المبالغة أن نقول إن هذا هو أهم وظيفة للإدارة، كما هناك وظائف أخرى بالاعتمادا على القرارات المتخذة على مستوى التخطيط. أما بالنسبة للهيكل التنظيمي وأسلوب الإدارة وتدابير الرقابة، هذه الوظائف تعتمد على رسالته وأهدافه20.
ان اهمية التخطيط لاي عمل او نشاط يقوم به الفرد او الجماعة او التنظيمات، على اختلاف تخصصاتها واهدافها، تجعلنا  نقول انه لا يمكن ان تقوم قائمة لاي تنظيم يكون التخطيط فيها مبني على ا ادراك حقيقي للواقع الاجتماعي، وحتى الطبيعي مغيباً،  لان عكس التخطيط هو الفوضى وعدم اتضاح الرؤية بالنسبة للمدراء والعامل على حد سواء، مما ينجم عنه الفشل والزوال.
والتخطيط هو نشاط يؤديه المديرين والمسؤولين عن التنظيمات، فهو عملية هدفها، استشراف المستقبل، بحيث تكون قواعد التنظيمات مبنية على الماضي والحاضر، واذا كان كل تنظيم يسعى لتحقيق اهداف معينة. فان التخطيط يتمثل في اختيار افضل السبل والطرق التي تؤدي الى تحقيق تلك الاهداف بفعالية اكبر21:
       ما هو التخطيط؟
ان التخطيط ينقسم الى معنيين اساسيين:
الاول ومعناه " المنطق التقليدي المتعلق بالغايات "، اما الثاني فهو يفيد " الممارسة الامبريقية التجريبية"، وشيء من العقلانية، وذلك لتنظيم عمليات التأثير والنفوذ، باعتماد الية الالزام، لكن عبر شروط وعبر الاختيارات الممكنة في الوظائف المختلفة للفاعلين عبر مشاركاتهم22.
فاذا كان الاول الاول يتجسد ضمن مجال التخطيط المدون، فان الثاني يفرض اكثر فاكثر اسلوبه في العمل. ولعل هذا الاخير  هو ما اضحى معتمدا من قبل المؤسسات والتنظيمات الادارية والاقتصادية، وغيرها من التنظيمات، لانه يعتمد اليات اكثر علمية وعقلانية. 
2.    المبادئ الاساسية للتخطيط.
يمكن استخلاص مجموعة من المبادئ التي يجب اخذهافي الحسبان قبل وضع الخطط النهائية لاي مشروع او قرار. ومن بين هذه المبادئ التي حددها " فاري درسليرFaryDerssler  " وهي:
§    بلورة الاهداف: ينبغي ان تكون الاهداف واضحة لا يشوبها اي غموضّ، فالاهداف الغير محددة لا تقود الى تخطيط دقيق.
§    التنبؤات الدقيقة: تعتبر الاحداث والاتجاهات دقية المعطيات الاكثر اهمية في التخطيط، ومن ثم ينبغي ان يتحلى المديرون القائمون بوضع التنبؤات بالمهارة العالية.
§    مشاركة المرؤوسين في عملية التخطيط: اذ اثبتت الدراسات ان الافراد الذين يشاركون في صناعة الخطة، يكونون حريصين على تنفيذها بالشكل الجيد افضل من الافراد الذين طلبوا فقط بالتنفيذ دون اشراكهم في عملية التخطيط.
§       تكليف الاشخاص المناسبين لمسؤولية وضع التخطيط.
§       عدم الافراط في التفاؤل: اذ لا بد من استحضار الموضوعية لكونها  العنصر الرئيسي والفعال للتخطيط..
§    مرونة التخطيط: اي يجب القيام بمراجعة مدى التقدم في تنفيذ الخطة بصفة دائمة، بقصد اجراء التعديلات عليها حسب متطلبات الموقف.
§       مراجعة الخطط طويلة المدى على فترات قصيرة.
§       ملائمة الخطط مع البيئة.
3.    اهمية التخطيط بالنسبة للتتنظيمات.
يعتبر التخطيط احد الادوات المهمة والاساسية التي تعمل على ضمان استمرارية التنظيمات في اداء ادوارها في عملية التنمية، وبالتالي تطوير دورها ليلاءم الاحتياجات المتنوعة والمتغيرة لاعضاء التنظيم.
كما يساعد في تطوير النتائج المرجوة من وجود التنظيم ، ويؤدي ايضا الى تحسين نوعية القرارات التي يتخذها التنظيم، كما يركز على الامور الحيوية، والتحديات التي تواجه التنظيم، فهو يساعد صانعي القرارات لتحديد ما يجب ان يتم بخصوص هذه الامور. 
4.    من يقوم بالتخطيط
هو جهد فريق العمل، وبالرغم من ان التخطيط يبدأ من القمة فانه يتعين على الرؤساء تدعيم المدراء والمشرفين وموظفي الدرجة الاولى في السلم الاداري الخاص بالتنظيم الذين هم على دراية اكبر بالخدمات والمستفيدين منها. وينبغي ان يتضمن فريق العمل افراد لهم دراية كبيرة بالتنظيم، كما لا يجب ان يزيد عددهم بشكل قد يؤدي الى نتائج عكسية.
5.    مقومات التخطيط الفعال.
من ابرز المقومات الاساسية لتطبيق مدخل التخطيط العلمي،اقتناع مسئولي التنظيم( المصنع / المقاولة/ ادارة بنك او مؤسسة مالية..) باهمية التخطيط بصفة عامة، والتخطيط ا استراتيجي العقلاني طويل الامد بصفة خاصة. ومشاركته وتايده للجهود التخطيطية، وتوفيره لمختلف المقومات والامكانات المادية والبشرية والتنظيمية اللازمة لنجاح العملية التخطيطية.
فضلا عن ذلك التخطيط الجيد مرتبط بوجود اطار من المفاهيم والاسس السليمة التي يقوم عليها العمل التنظيمي والاداري. فالتنظيم السليم الفعال يساهم في التخطيط الجيد، ونعني بذلك وجود هيكل تنظيمي سليم يساعد ويساهم في تنفيذ الخطة، حيث يوفر تحديدا سليما ودقيقا للاختصاصات، ويوفر خطوطا واضحة للسلطة ومركز المسؤولية ، وتوفير قنوات الاتصال والتواصل وتدفق المعلومات، بما يضمن تحرك مختلف المستويات الادارية في اتجاهات تفرضها الاستراتيجيات الجيدة.
6.    معيقات التخطيط
ان التعقيد  المتزايد وسرعة الحركة وتزايد المنافسة التى تتميز بها الحياة المعاصرة وكذا تنظماتها المتعددة، تؤكد على اهمية وحتمية التخطيط بالنسبة للتنظيمات. فغياب التخطيط العقلاني الرشيد يزيد من حتمية فشل التنظيم وغياب الرؤية للمستقبل،  وعرضة لفقدان فرص  توسيع قاعدة مواردها، وزيادة خدماتها. كما انها تخاطر بعدم اللحاق بالاحتياجات والمتطلبات المتغيرة لافرادها وعناصرها، وتواجه بتطورات غير متوقعة، وقد يكون الثمن الدي تؤديه هذه التنظيمات لعدم اعتماد التخطيط، هو الركود والتقهقهر او التوقف  والنهاية.
7.    اسباب فشل التخطيط
في الغالب ما يتعرض التعريض للفشل اذا ما تم اعتماد اليات غير حكيمة وعقلانية ومبنية على اسس منهجية وعلمية، تقتضي المشاركة و تحمل المسؤولية في اتخاذ القرار المناسب في حينه، وتبني استراتيجية تفاعلية وتشاركية لعناصره، ومن اسباب فشل التنظيم نذكر ما يلي25:
السبب الاول: هو اعتماد العديد من التنظيمات  على نماذج التخطيط التقليدية، والتي تبنى على المدى الطويل، وهو الذي استلهمته التنظيمات من  التنظيما ذات القطاعات الربحية، والذي تخلت عنه هذه الاخيرة من فترة طويلة.
السبب الثاني: سعي التنظيم الى المضي قدما بدون اعداد نموذج للتخطيط يتلاءم و النتائج المرجوة عند وضع عملية التخطيط.
السبب الثالث: فشل العديد من  التنظيمات في تطوير قياداتها وإدارييها واداراتها، بما يتطلب تنفيذ استراتيجياتها، وإدارة عملية التخطيط.
·       الفرق بين التخطيط التقليدي والتخطيط الاستراتيجي العقلاني
التخطيط التقليدي: هو تخطيط يحدد الاطار العام والأهداف الشاملة بعيدة المدى للتنظيم، واضعا في الاعتبار العوامل المساعدة والعقبات التي قد تواجه التنفيذ، ويكون التعديل في هذا النوع من التخطيط بسيط ومتباعد في الفترة الزمنية.
التخطيط الاستراتيجي العقلاني: هو النوع الذي يهتم بوضع الخطط الخاصة بالأنشطة الدورية للمشروع او للتنظيم على المدى القصير او المتوسط.

الهوامش:

1.      . فوزي بوخريص: محاضرة حول سوسيولوجيا التنظيمات، جامعة ابن طفيل القنيطرة، المغرب  بتاريخ 06/05/2015.
2.      . فوزي بوخريص .  نفس المصدر السابق.
3.       [1] . فوزي بوخريص .  نفس المصدر السابق.
4.      . جمال فزة: سوسيولوجيا التنظيمات، اسس واتجاهات. دار ابي رقراق، الطبعة الاولى 2013 . ص-109
5.      جورج لاباساد، رينيه لورو: مفاتيح علم الاجتماع، ترجمة فاروق الحميد، دار الفرقد 2011 . ص-134.
6.      فوزي بوخريص: محاضرة حول سوسيولوجيا التنظيمات، جامعة ابن طفيل القنيطرة، المغرب  بتاريخ 06/05/2015.
7.      فوزي بوخريص .  نفس المصدر السابق.
8.      فوزي بوخريص .  نفس المصدر السابق.
9.      جمال فزة: سوسيولوجيا التنظيمات، اسس واتجاهات. دار ابي رقراق، الطبعة الاولى 2013 . ص-109.
10.  جمال فزة ، نفس المرجع السابق . ص-112.
11.    .Catherine Ballé , Sociologie des Organisations, éd Puf,(collection Que Sais-je ?) 1990.
12.  جمال فزة. مرجع سابق ص-116.
13.  . فيليب كابان، جان فرانسوا دورثيه. علم الاجتماع، من النظريات الكبرى الى الشؤون اليومية، اعلام وتواريخ وتيارات. ترجمة اياس حسن، دار الفرقد، دمشق، 2010 .ص
14.  جورج لاباساد، رينيه لورو: مفاتيح علم الاجتماع، ترجمة فاروق الحميد، دار الفرقد 2011 . ص41-42.
15.  جمال فزة . مرجع سابق، ص 135.
16.    . Philippe Cabin, Evelyne Jardin,Michel Lallement, Héloïse Lhérété, Dominique Vellin,
17.    Michel Crozier, l'homme des organisations   http://www.scienceshumaines.com/michel-crozier-l-homme-des-organisations_fr_30764.html Mis à jour le 26/05/2013
19.  جمال فزة. مرجع سابق، ص 144.
20.  عبد القادر خريبش. التحليل الاستراتيجي عند ميشيل كروزييه، مجلة جامعة دمشق، المجلد 27، العدد الاول و الثاني. 2011.ص 575-576.
21.  فيليب كابان، جان فرانسوا دورثيه. علم الاجتماع، من النظريات الكبرى الى الشؤون اليومية، اعلام وتواريخ وتيارات. ترجمة اياس حسن، دار الفرقد، دمشق، 2010 .ص 238.
22.      Brigitte GUYOT, «  Quelques Problématique pour éclaire l’etude de l’information dans les organosations », In La Science de la Societé, N° 50/51, Mai/Oct. 2000, pp 129-148.
[1] [1] . Michel CROZIER : pour une analyse sociologique  de la planification francaise, In : Revue francaise de sociologie, 1965,6-2,pp ,150
[1] . Le Petit Robert (1995), Dictionnaire alphabitique et analogique de la langue francaise,Paris, Dictionnaire le Robert.
[1]. Planification & organisation  http://gpconseils.ch/planification%20et%20organisation.php
[1] NGO, Service Center, Planification Stratigique,PP 12-16
[1]  . Michel CROZIER  Ibid, P149
[1]  Daniel Maltais, « Planification stratigique et  organisationnelle », Le Dictionnaire Ensyclopédique de l’administration publique,PP 2-4  daniel.maltais@enap.ca




المراجع: 
§       جمال فزة: سوسيولوجيا التنظيمات، اسس واتجاهات. دار ابي رقراق، الطبعة الاولى 2013.
§    فيليب كابان، جان فرانسوا دورثيه. علم الاجتماع، من النظريات الكبرى الى الشؤون اليومية، اعلام وتواريخ وتيارات. ترجمة اياس حسن، دار الفرقد، دمشق،
§       جورج لاباساد، رينيه لورو: مفاتيح علم الاجتماع، ترجمة فاروق الحميد، دار الفرقد 2011 .
§  Michel CROZIER : pour une analyse sociologique  de la planification francaise, In : Revue francaise de sociologie, 1965,
§  Brigitte GUYOT, «  Quelques Problématique pour éclaire l’etude de l’information dans les organosations », In La Science de la Societé, N° 50/51, Mai/Oct. 2000
§  Catherine Ballé , Sociologie des Organisations, éd Puf,(collection Que Sais-je ?) 1990.

Références électroniques :

 

·       P. Rambaud, « Planification rurale et sociologie », Études rurales [En ligne], 7 | 1962, mis en ligne le 11 février 2005, consulté le 03 juin 2015. URL :http://etudesrurales.revues.org/266
·       Planification & organisation http://gpconseils.ch/planification%20et%20organisation.php[26][27]




[2] . جورج لاباساد، رينيه لورو: مفاتيح علم الاجتماع، ترجمة فاروق الحميد، دار الفرقد 2011 . ص-134.
[3] . فوزي بوخريص: محاضرة حول سوسيولوجيا التنظيمات، جامعة ابن طفيل القنيطرة، المغرب  بتاريخ 06/05/2015.
[4] . فوزي بوخريص .  نفس المصدر السابق.
[5] . فوزي بوخريص .  نفس المصدر السابق.
[6] . جمال فزة: سوسيولوجيا التنظيمات، اسس واتجاهات. دار ابي رقراق، الطبعة الاولى 2013 . ص-109.
[7]  جمال فزة ، نفس المرجع السابق . ص-112.
[8] .Catherine Ballé , Sociologie des Organisations, éd Puf,(collection Que Sais-je ?) 1990.
[9] . جمال فزة. مرجع سابق ص-116.
[11] . فيليب كابان، جان فرانسوا دورثيه. علم الاجتماع، من النظريات الكبرى الى الشؤون اليومية، اعلام وتواريخ وتيارات. ترجمة اياس حسن، دار الفرقد، دمشق، 2010 .ص
[12] . جورج لاباساد، رينيه لورو: مفاتيح علم الاجتماع، ترجمة فاروق الحميد، دار الفرقد 2011 . ص41-42.

[13] . جمال فزة . مرجع سابق، ص 135.
[14] . Philippe Cabin, Evelyne Jardin,Michel Lallement, Héloïse Lhérété, Dominique Vellin, Michel Crozier, l'homme des organisations  http://www.scienceshumaines.com/michel-crozier-l-homme-des-organisations_fr_30764.html Mis à jour le 26/05/2013
[16] . جمال فزة. مرجع سابق، ص 144.
[17] . عبد القادر خريبش. التحليل الاستراتيجي عند ميشيل كروزييه، مجلة جامعة دمشق، المجلد 27، العدد الاول و الثاني. 2011.ص 575-576.
[18] فيليب كابان، جان فرانسوا دورثيه. علم الاجتماع، من النظريات الكبرى الى الشؤون اليومية، اعلام وتواريخ وتيارات. ترجمة اياس حسن، دار الفرقد، دمشق، 2010 .ص 238.

[19] .  Brigitte GUYOT, «  Quelques Problématique pour éclaire l’etude de l’information dans les organosations », In La Science de la Societé, N° 50/51, Mai/Oct. 2000, pp 129-148.
[20] [20] . Michel CROZIER : pour une analyse sociologique  de la planification francaise, In : Revue francaise de sociologie, 1965,6-2,pp ,150
[21] . Le Petit Robert (1995), Dictionnaire alphabitique et analogique de la langue francaise,Paris, Dictionnaire le Robert.
[22]. Planification & organisation  http://gpconseils.ch/planification%20et%20organisation.php
[23] NGO, Service Center, Planification Stratigique,PP 12-16
[24]  Michel CROZIER  Ibid, P149
[25]  Daniel Maltais, « Planification stratigique et  organisationnelle », Le Dictionnaire Ensyclopédique de l’administration publique,PP 2-4  daniel.maltais@enap.ca

تعليقات